الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال الزهري: سهم الرقاب نصفان: نصف لكلّ مكاتب ممن يدّعي الإسلام، والنصف الثاني لمن يشتري به رقاب ممن صلّى وصام وقدّم إسلامه من ذكر وأنثى يعتقون لله.{والغارمين} قتادة: هم قوم غرقتهم الديون في غير إملاق ولا تبذير ولا فساد.وقال مجاهد: من احترق بيته وذهب السيل بماله، وأدان على عياله، وقال أبو جعفر الباقر: الغارمون صنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم أو معروف أو غير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم، وصنف استدانوا في جمالات وصلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض إن بيعت أضرّ بهم فيعطى هؤلاء قدر عروضهم.وذلك إذا كان دينهم في غير فسق ولا تبذير ولا معصية، وأما من ادان في معصية الله فلا أرى أن يعطى، وأصل الغرم الخسران والنقصان، ومنه الحديث في الرحمن له غنمه وعليه غرمه، ومن ذلك قيل للعذاب غرام، قال الله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وفلان مغرم بالنساء أي مهلك بهنّ، وما أشدّ غرامه وإغرامه بالنساء.{وَفِي سَبِيلِ الله} فيهم الغزاة والمرابطون والمحتاجون.فأما إذا كانوا أغنياء فاختلفوا فيه، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لايعطى الغازي إلا أن يكون منقطعًا مفلسًا، وقال مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور: يعطى الغازي منها وإن كان غنيًا، يدلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها أو رجل اشتراها بماله، أو في سبيل الله أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدّق عليه فأهداها له».{وابن السبيل} المسافر المجتاز، سمّي ابن السبيل للزومه إيّاه، كقول الشاعر:
قال مجاهد والزهري: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيًا إذا كان منتفعًا به، وقال مالك وفقهاء العراق: هو الحاج المنقطع، وقال الشافعي: ابن السبيل من (جيران) الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون من بلوغ سفرهم إلا بمعونة، وقال قتادة: هو الضيف.{فَرِيضَةً} واجبة {مِّنَ الله} وهو نصب على القطع في قول الكسائي، وعلى المصدر في قول سيبويه أي: فرض الله هذه الأشياء فريضة، وقال إبراهيم بن أبي عبلة: رفع فريضة فجعلها خبرًا كما تقول: إنّما يزيد خارج {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.واختلف العلماء في كيفية قسم الصدقات المذكورة في هذه الآية، وهل يجب لكل صنف من هؤلاء الأصناف الثمنية فيها حق، أو ذلك إلى رب المال ومن يتولى قسمها في أن له أن يعطي جميع ذلك من شاء من الاصناف الثمانية، فقال بعضهم: له قسمها ووضعها في أي الأصناف يشاء وإنما سمّى الله تعالى الأصناف الثمانية في الآية إعلامًا منه إن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها لا إيجاد القسمة بينهم، وهو قول عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس وابن جبير وعطاء وأبي العالية وميمون بن مهران وأبي حنيفة.أخبرنا عبد الله بن حامد. أخبرنا أبو بكر الطبري. حدّثنا علي بن حرب، أخبرنا ابن فضيل، حدّثنا عطاء عن سعيد {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاءِ} الآية، أيُّ هذه الأصناف وجدتَ أجزاك أن تعطيه صدقتك، ويقول أبو حنيفة: يجوز الاقتصار على رجل واحد من الفقراء، وقال مالك يخصّ بأمسّهم حاجةً.كان الشافعي يجري الآية على ظاهرها ويقول: إذا تولّى رب المال قسمتها فإن عليه وضعه في ثلاثة أصناف لأن سهم المؤلّفة ساقط، وسهم العاملين يبطل بقسمته إياها، فإذا تولّى الإمام قسمتها فإن عليه أن يقسمها على سبعة أصناف، يجزيه أن يعطي من كل صنف منهم أقل من ثلاثة أنفس ولا يصرف السهم ولا شيئًا منه عن أهله أحد يستحقه، ولا يخرج من بلد وفيه أحد يردّ حقه ممّن لم يوجد من أهل السهام على من وجد منهم، وهذا قول عمر بن عبد العزيز، وعكرمة والزهري. اهـ. .قال الماوردي: قوله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَسَاكِينِ}اختلف أهل العلم فيها على ستة أقاويل:أحدها: أن الفقير المحتاج المتعفف عن المسألة. والمسكين: المحتاج السائل، قاله ابن عباس والحسن وجابر وابن زيد والزهري ومجاهد وزيد.والثاني: أن الفقير هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، والمسكين: هو الصحيح الجسم منهم، قاله قتادة.والثالث: أن الفقراء هم المهاجرون، والمساكين: غير المهاجرين، قاله الضحاك بن مزاحم وإبراهيم.والرابع: أن الفقير من المسلمين، والمسكين: من أهل الكتاب، قاله عكرمة.والخامس: أن الفقير الذي لا شيء له لأن الحاجة قد كسرت فقاره، والمسكين الذي له ما لا يكفيه لكن يسكن إليه، قاله الشافعي.وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس المسكين الذي لا مال له ولكن المسكين الأخلق الكسب.قال ابن عليّة: الأخلق المحارف عندنا وقال الشاعر:والسادس: أن الفقير الذي له ما لا يكفيه، والمسكين: الذي ليس له شيء يسكن إليه قاله أبو حنيفة.ثم قال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وهم السعاة المختصون بجبايتها وتفريقها قال الشاعر: وليس الإمام من العاملين عليها ولا والي الإقليم.وفي قدر نصيبهم منها قولان:أحدهما: الثمن، لأنهم أحد الأصناف الثمانية، قال مجاهد والضحاك.والثاني: قدر أجور أمثالهم، قاله عبد الله بن عمر.{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} وهم قوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطية، وهم صنفان: مسلمون ومشركون.فأما المسلمون فصنفان: صنف كانت نياتهم في الإسلام ضعيفة فتألفهم تقوية لنياتهم، كعقبة بن زيد وأبي سفيان بن حرب والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس. وصنف آخر منهم كانت نياتهم في الإسلام حسنة فأعطوا تألفًا لعشائرهم من المشركين مثل عدي بن حاتم. ويعطي كِلا الصنفين من سهم المؤلفة قلوبهم.وأما المشركون فصنفان: صنف يقصدون المسلمين بالأذى فيتألفهم دفعًا لأذاهم مثل عامر بن الطفيل، وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام تألفهم بالعطية ليؤمنوا مثل صفوان بن أمية.وفي تألفهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسهم المسمى لهم من الصدقات قولان:أحدهما: يعطونه ويتألفون به، قاله الحسن وطائفة.والثاني: يمنعون منه ولا يعطونه لإعزاز الله دينه عن تألفهم، قاله جابر، وكلا القولين محكي عن الشافعي.وقد روى حسان بن عطية قال: قال عمر رضي الله عنه وأتاه عيينة بن حصن يطلب من سهم المؤلفة قلوبهم فقال قد أغنى الله عنك وعن ضربائك {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) أي ليس اليوم مؤلفة.{وَفِي الرِّقابِ} فيهم قولان:أحدهما: أنهم المكاتبون، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والشافعي.والثاني: أنهم عبيد يُشترون بهذا السهم قاله ابن عباس ومالك.{وَاْلْغَارِمِينَ} وهم الذين عليهم الدين يلزمهم غرمه، فإن ادّانوا في مصالح أنفسهم لم يعطوا إلا مع الفقر، وإن ادّانوا في المصالح العامة أعطوا مع الغنى والفقر.واختلف فيمن ادّان في معصية على ثلاثة أقاويل:أحدها لا يعطى لئلا يعان على معصية.والثاني: يعطى لأن الغرم قد وجب، والمعصية قد انقضت.والثالث: يعطى التائب منها ولا يعطى إن أصر عليها.{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله يعطون سهمهم من الزكاة مع الغنى والفقر.{وَابْنِ السَّبِيلِ} فيه قولان:أحدهما: هو المسافر لا يجد نفقة سفره، يعطى منها وإن كان غنيًا في بلده، وهو قول الجمهور.والثاني: أنه الضيف، حكاه ابن الأنباري. اهـ. .قال ابن عطية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}{إنما} في هذه الآية حاصرة تقتضي وقوف {الصدقات} على الثمانية الأصناف، وإنما اختلف في صورة القسمة فقال مالك وغيره: ذلك على قدر اجتهاد الإمام وبحسب أهل الحاجة، وقال الشافعي: هي ثمانية أقسام على ثمانية أصناف لا يخل بواحد منها إلا أن {المؤلفة} انقطعوا.قال القاضي أبو محمد: ويقول صاحب هذا القول: إنه لا يجزئ المتصدق والقاسم من كل صنف أقل من ثلاثة، وأما الفقير والمسكين فقال الأصمعي وغيره: الفقير أبلغ فاقه وقال غيرهم: المسكين أبلغ فاقه.قال القاضي أبو محمد: ولا طريق إلى هذا الاختلاف ولا إلى الترجيح إلا النظر النظر في شواهد القرآن والنظر في كلام العرب وأشعارها، فمن حجة الأولين قول الله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 79] واعترض هذا الشاهد بوجوه منها، أن يكون سماهم مساكين بالإضافة إلى الغاصب وإن كانوا أغنياء على جهة الشفقة كما تقول في جماعة تظلم مساكين لا حيلة لهم وربما كانوا مياسير ومنها: أنه قرئ {لمسّاكين} بشد السين بمعنى: دباغين يعملون المسوك قاله النقاش وغيره ومنها: أن تكون إضافتها إليهم ليست بإضافة ملك بل كانوا عاملين بها فهي كما تقول: سرج الفرس، ومن حجة الآخرين قول الراعي: [البسيط]وقد اعترض هذا الشاهد بأنه إنما سماه فقيرًا بعد أن صار لا حلوبة له، وإنما ذكر الحلوبة بأنها كانت، وهذا اعتراض يرده معنى القصيدة ومقصد الشاعر بأنه إنما يصف سعاية أتت على مال الحي بأجمعه، فقال أما الفقير فاستؤصل ماله فكيف بالغني مع هذه الحال، وذهب من يقول إن المسكين أبلغ فاقه إلى أنه مشتق من السكون، وأن الفقير مشتق من فقار الظهر كأنه أصيب فقارة فيه لا محالة حركة، وذهب من يقول إن الفقير أبلغ فاقه: إلى أنه مشتق من فقرت البئر إذا نزعت جميع ما فيها، وأن المسكين من السكن.قال القاضي أبو محمد: ومع هذا الاختلاف فإنهما صنفان يعمهما الإقلال والفاقه، فينبغي أن يبحث على الوجه الذي من أجله جعلهما الله اثنين، والمعنى فيهما واحد، وقد اضطرب الناس في هذا، فقال الضحاك بن مزاحم: {الفقراء} هم من المهاجرين {والمساكين} من لم يهاجر، وقال النخعي نحوه، قال سفيان: يعني لا يعطى فقراء الأعراب منها شيئًا.قال القاضي أبو محمد: والمسكين السائل يعطى في المدينة وغيرها، وهذا القول هو حكاية الحال وقت نزول الآية، وأما منذ زالت الهجرة فاستوى الناس، وتعطى الزكاة لكل متصف بفقر، وقال عكرمة: {الفقراء} من المسلمين، {والمساكين} من أهل الذمة، ولا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر الفقير من لا مال له ولا حرفة سائلاُ كان أو متعففًا والمسكين الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلًا كان أو غير سائل، وقال قتادة بن دعامة: الفقير الزمن المحتاج، والمسكين الصحيح المحتاج.وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والزهري وابن زيد وجابر بن زيد ومحمد بن مسلمة: المساكين الذين يسعون ويسألون، والفقراء هم الذين يتصاونون، وهذا القول الأخير إذا لخص وحرر أحسن ما يقال في هذا، وتحريره: أن الفقير هو الذي لا مال له إلا أنه لم يذل ولا بذل وجهه، وذلك إما لتعفف مفرط وإما لبلغة تكون له كالحلوبة وما أشبهها، والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلل وخضوع وسؤال، فهذه هي المسكنة، فعلى هذا كل مسكين فقير وليس كل فقير مسكينًا، ويقوي هذا أن الله تعالى قد وصف بني إسرائيل بالمسكنة وقرنها بالذلة مع غناهم، وإذا تأملت ما قلناه بان أنهما صنفان موجودان في المسلمين، ويقوي هذا قوله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} [البقرة: 273] وقيل لأعرابي: أفقير أنت فقال: إني والله مسكين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه»، اقرأوا إن شئتم {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273]، فدل هذا الحديث على أن المسكين في اللغة هو الطواف، وجرى تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على المتصاون مجرى تقديم {الفقراء} في الآية لمعنى الاهتمام إذ هم بحيث إن لم يتهمم بهم هلكوا، والمسكين يلح ويذكر بنفسه، وأما العامل فهو الرجل الذي يستنيبه الإمام في السعي على الناس وجمع صدقاتهم، وكل من يصرف من عون لا يستغنى عنه فهو من {العاملين} لأنه يحشر الناس على السعي، وقال الضحاك: للعاملين ثمن ما عملوا على قسمة القرآن، وقال الجمهور: لهم قدر تعبهم ومؤنتهم قاله مالك والشافعي في كتاب ابن المنذر، فإن تجاوز ذلك ثمن الصدقة فاختلف، فقيل يتم لهم ذلك من سائر الأنصباء وقيل، بل يتم لهم ذلك من خمس الغنيمة، واختلف إذا عمل في الصدقات هاشمي فقيل: يعطى منها عمالته وقيل: بل يعطاها الخمس، ولا يجوز للعامل قبول الهدية والمصانعة ممن يسعى عليه وذلك إن فعله رد في بيت المال كنا فعل النيبي صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية حتى استعمله على الصدقة فقال، هذا لكم وهذا ما أهدي لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا قعدت في بيت أبيك وأمك حتى تعلم ما يهدى إليك» وأخذ الجميع منه.
|